in ,

الحرب هي عدو للحرية – تأليف لودفيج فون ميزس

الديمقراطيّة هي خلاصة اقتصاد السوق في الشؤون الداخليّة للدولة، والسلام هو نتيجة طبيعيّة في السياسة الخارجيّة. يعني اقتصاد السوق التعاون السلميّ، والتبادل السّلمي للسلع والخدمات. بما معناه، عدم تدخّل الدولة في الأنشطة الاقتصاديّة للسوق، وإعطائه المجال لينظّم نفسه. لكن لا تُكتب له الاستدامة عندما يكون الرّبح الكبير المُفاجئ، وبالجملة، من متطلّبات العصر.

عندما تكونُ دولةٌ ما كبيرةٌ بما يكفي لشنِّ الحرب خارج حدودها، ستفعلُ الشّيءَ نفسَهُ في الداخلِ.

لودفيغ فون ميزس

إنّ فكرة عدم توافق الحرب مع اقتصاد السوق والحضارة لم تُفهَم بشكلٍ كاملٍ، لأن النمو المستمرّ في اقتصاد السوق قد غيّر السّمة الأصليّة للحرب ذاتها، أي حوّل السمة الشاملة للحرب (الحرب الشاملة) في العصور القديمة، تدريجيّاً، إلى حرب الجنود في العصور الحديثة.

الحرب الشاملة

الحرب الشاملة هي عبارة عن حشد كامل يقوم بالتقدّم للقتال والنّهب. تتحرّك الجماعةُ كاملةً، كل الناس يتحركون؛ لا أحد -حتى النساء والأطفال- يظلّ في المنزل طالما يمكنه القيام بأعمالٍ تخدمُ الحرب. التعبئة كاملة والشعب مُستعدّ لشنّ الحرب، الجميع مُحارِب أو يخدم المحاربين. الجيش والأمّة، الجيش والدولة متماثلون، لا فرق بين المُقاتلين وغير المُقاتلين. هدف الحرب هو القضاء على أمّة العدوّ بأكملها، ولا تنتهي الحرب الشاملة بمعاهدة سلام، بل بنصر كامل وهزيمة كاملة. يتمّ القضاء على كل أفراد الشعب المهزوم- الرجال والنساء والأطفال، لا وجود للرحمة إلّا في حال قبول الطرف المغلوب بالعبوديّة. أجل فقط الأمّة المُنتصرة يُكتب لها البقاء.

حرب الجنود

أمّا في حرب الجنود، يقوم الجيش بالقتال، بينما يبقى المواطنون غير المُجنَّدون خارج أحداث الحرب تستمرّ حياتهم اليوميّة بشكلٍ طبيعيّ. لكنّهم يدفعون تكاليف الحرب، مثل، ثمن الصيانة، والإعالات، المُعدّات للجيش المُحارِب.

وقد يتعرض المواطنون للكوارث بسبب الحرب، كتدمير منازلهم، وتخرّب أراضيهم وممتلكاتهم الأُخرى، لكن هذا أيضاً جزء من تكاليف الحرب التي عليّهم تحمّلها. وقد تتعدّى هذه التكاليف إلى أنّ يتعرّضوا للنهب والسلب، والقتل من قبل المحاربين مصادفةً – المحاربين الذين يمكن أن يكونوا من جيش دولتهم الخاص. لكن هكذا حوادث ليست مُلازمة للحروب دوماً بهذا الشكل. إذْ تعوق أكثر من أن تساند العمليات التي يخطط لها قوّاد الجيش، وتكون غير مُحتملة إذا كان لِمَن في السلطة سيطرة كاملة على قوّاتهم.

إنّ الدولة المتحارِبة التي شكّلت وجهزت الجيش، وحافظت عليه، تعتبِرُ النّهب والسرقة من قبل الجنود جريمة لا تُغتفَر؛ لأنّ هؤلاء الجنود كان قد تمّ توظيفهم بغية القتال، وليس ليبنوا ثروة من وراء النهب والسلب. وكالمعتاد، ترغب الدولة دوماً في الحفاظ على الحياة المدنيّة، لأنّها تريد التأمين على استمرار مواطنيها في دفع الضرائب؛ أمّا الأقاليم المُحتلّة فتعتبر من شأنها الخاص. ويجب الحفاظ على اقتصاد السوق خلال فترة الحرب لتأمين متطلباتها.

التحوّل الذي قاد من الحرب الشاملة إلى حرب الجنود كان الغرضُ منه القضاء على الحروب تماماً، كان تطوّراً الهدفُ النهائيُّ منه تحقيق السلام الأزلي بين الأمم المتحضّرة فقط. إنّها لحقيقة أدركها الليبيراليون في القرن التاسع عشر بشكل عميق، إذْ اعتبروا أنّ الحرب بقايا لعصرٍ مُظلِم محكومٌ عليه بالهلاك، تماماً كما كان هنالك مؤسسات في الزمن المُنصرم تحكمها العبوديّة، والاستبداد، والتعصّب، والخرافات. كانوا يؤمنون بشدّة أنّ المستقبل سيبارك السلام الأزلي.

اتّخذت الأمور مساراً مختلفاً، والتطوّر الذي هَدَفَ إلى إحلال السلام في العالم قد تغيّر. لا يمكن التفكير بهذا الانعكاس التام على أنّه حقيقة معزولة، إذ إنّنا نشهد اليوم شروق إيديولوجيا(عقيدة فكريّة) تُنكر بوعيٍّ كلَّ شيء أصبح يُعتبر حضارة.

يجب إعادة تقييم القيم البورجوازيّة، يجب استبدال مؤسسات البورجوازيّة بالمؤسسات البروليتاريّة (العُمّاليّة). وعلى نفس المنوال، فإنّ الهدف البرجوازي للسلام الأزليّ هو أن يتمّ تنحيته من خلال تمجيد القوّة. وقد كان المُفكرّ الفرنسيّ جورج سوريل يوجين، رسول النقابات العُمّاليّة، والأب الروحي للبلشفيّة (الشيوعيّة الروسيّة) والفاشيّة.

الفاشيّة: نظام أو فلسفة سياسيّة تُمجّد الدولة والعِرق، وكما يلخّصها موسوليني بأنّ إرادة الشعب ليس الوسيلة للحكم، وإنّما الوسيلة هي القوّة، وفرض القانون.

القوميّون يريدون الحرب بين الدول، والماركسيّون يريدون الحرب بين الطبقات، لا فرق، كلاهما يؤدي إلى حرب أهلية، ويبشّران بحرب ماحِقة، حرب شاملة، هذا يحسم الأمر.

ومن المهمّ أخذه في الحسبان أيضاً، إنْ عمدت المجموعات المُناهضة للديموقراطيّة إلى التعاون، في الوقت الراهن، أو إذا كانت تقاتل بعضها بعضاً، كله سواء؛ إنّهم متحالفون عمليّاً عندما يتعلّق الأمر بمهاجمة الحضارة الغربيّة.

  • ترجمة : نور عبدو

المصادر:

ما تقييمك لهذا الموضوع؟

كتب بواسطة نور عبدو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المبادئ العشرة لليبرالية الكلاسيكية

حرية تعبيرك أهم من مشاعري