in

10 أعمال فنيّة مشهورة لـ: ليوناردو دا فينشي

كان ليوناردو دي سير بييرو دا فينشي أحد أعظم فنّاني عصر النهضة، إذْ أبدع تراكيبًا خلّاقةً، وحقّق في تفاصيلِ جسم الإنسان ليخرج بتشريحات دقيقةٍ تُمثّله، وتفكّرَ في النفس البشريّة وجائِشَتها لتفسير وتوضيح الشخصيات، كما اختبرَ طرائقًا لتمثيل الفضاء والأغراض ثلاثية الأبعاد على سطحٍ ثنائي البُعد.

فضولٌ لا ينضب، أنتجَ لنا لوحاتٍ غاية في الأبّهة والتعقيد والحيوية للطبيعة البشرية، إلّا أنّ العديد من أعماله الرائعة لم يُكتب لها الاكتمال، كما أثّرت تجاربه على فن من خلفه، لتُصبح مقياسًا للرسم والتَّصوير في القرون اللّاحقة. عند وفاته عام 1519، ترك لنا دا فينشي إرثًا من عدّة دفاتر تحوي الكثير من الخيالات والرسومات، ولكن القليل من الأعمال الفنيّة المُكتملة.

تمّ إتمامُ بعضٍ من قطعه فيما بعد، إلا أنّ بعضها الآخر فُقدت أو دُمِّرت بالكامل. وفيما يلي نسردُ لكم بعضًا من أشهر أعماله التي كُتب لها البقاء حتى أيامنا هذه:

لوحة الموناليزا (Mona Lisa: c. 1503-19)

أكثر الأعمال شُهرةً في العالم، تستقطبُ آلاف الزوّارِ يوميًا إلى متحف اللّوفر في فرانسا، مِمَّن تُضيّق عليهم نظرتها وابتسامتها الغامضتين. تبدو لوحةً عاديةً للنصف العلوي من جسد امرأة شابّة ترتدي إزارًا رقيقًا، بألوانٍ كئيبةٍ، وما من مجوهراتٍ تضفي تفاصيلًا مُزعجة للناظر.

إنّ بساطة اللوحة تُخفي موهبة ليوناردو للوهلة الأولى، لكن هذا الوجه بسيطُ وهادئُ التصميمِ يُظهر مهارةً مَهيبةً في مزج الألوان بتقنية سفومّاتو*. كما يكشفُ كل من الإزار دقيقِ الرسمِ، والخصلاتِ رفيعة التشكيلِ، والأنسجة المثنية المًصيّرةِ بعنايةٍ، عن صبرٍ دؤوبٍ يُظهره ليوناردو في التجسيد الحيّ لمُلاحظاته ومُشاهداته المدروسةِ. ضِفْ على ذلك ما تُصبغه التعابير المُحيرة للشابّة الجالسة على واقعيّتها. كما أنّ ابتسامتها المُربكة تسبّب حيرةً لدى من ينظرُ إليها؛ فلا يُمكن تحديدُ ما إذا كانت جاذبةً أو ساخطة؛ إنها كالإنسان بحقيقته، شخصيّة مُعقدةٌ، تُجسِّدُ السماتٍ مُتعارضةً في آنٍ معًا.

جداريّة العشاء الأخير (Last Supper: c.1495-98)

أحد أكثر الجداريّات شُهرةً في العالم، كُلِّف برسمها من قبل لودوفيكو سفورتزا  Ludovico Sforza، دوق ميلانو وراعي ليوناردو خلال بدايات إقامته فيها، لتحتلّ مكانها في  كنيسة سانتا ماريا ديلي غراسي في ميلانو. يصوّر ليوناردو مشاهدًا مُترابطة بشكلٍ وثيق، مأخوذة من الأناجيل، ومن بينها متى 26:21–28، حيث كان قد أعلن المسيحُ أنّ أحد حوارييه سيخونه، ومن ثمّ بدأ القربان المُقدّس.

إنّه ليوناردو مَن كان عاشِقًا لتفاصيل الجسد البشريّ، ومفتونًا بوتيرةِ إيحاءاته في الكشف عن الوضعيات والتعابير والإيماءات، يصوّر في جداريتّه ردّ فعل كل من الحواريين تجاه هذا التصريح الذي أعلنه المسيح؛ فتظهرُ عليهم ملامح الكآبة، والهُتاف، والهمس، والنقاش، تختلف وضعياتهم بين النهوضِ، والجلوس، والتشابك، وبأسلوبٍ يُعاكس هالة المسيح الذي يجلسُ في وسطهم هادئًا مُتّصفًا بالعظمة.

قام برسم الجداريّة بتقنيّة تجريبيةّ، باستخدام خليط التيمبيرا والزيوت على سطح الجدار الحجري، نتيجةً لذلك بدأ العمل يتلفُ منذ اللّحظة التي انتهى فيها تقريبًا، ورغم هذا لا يزال هذا العملُ يُعتبرُ من روائع لوحات عصر النهضة، ودراسةً مُعقّدةً بشكلٍ مًهيبٍ للعواطف والانفعالات البشريّة المتنوّعة، كُشفت في تركيب بسيطٍ بشكل خادعٍ مُضلّل.

 

لوحة الرجل الفيتروفي (: c.1490)

لوحة الرجل الفيتروفي، التي حصلنا عليها من أحد مذكّراته الكثيرة التي كانت ترافقه في عهد الصبا والشباب، مُرفقة بمُلاحظات مكتوبة بطريقة مُشفّرة؛ بالخط المُنعكس (أي لا يُمكن قراءة النصّ إلى عند وضعه أمام مرآة)، هذه المُلاحظات حول النسب المثاليّة للجسد البشريّ، التي كان قدْ وضعها المهندس المعماري الروماني فيتروفيو في كتاب عن فنّ العمارة منذ القرن الأول قبل الميلاد.

يوضّح الرسم نظرية فيتروفيو القائلة بأنّ الإنسانَ المثاليَّ يُمكن أن يتناسب مع شكلين مُتناقضين هُما المُربّع والدائرة، إذْ قام ليوناردو بتصميم وتحليل هذا المفهوم برسم رجلٍ في وضعين مُتراكبين؛ يكون في أحدهما مادًّا ذراعيه ليُلائما المُربّع الذي يحتويه، أمّا الوضعية الثانية فيكون باسطًا لأطرافه الأربعة حتى مُحيط الدائرة التي تحتويه.

لم يكن ليوناردو دا فينشي أوّل من قام بتوضيح مفاهيم فيتروفيو، لكنّ عمله هذا لا يُظهر مُجرّد فهمٍ لديه للنصوص، وإنّما رغبةً فيه للتوسّع فيها أيضًا، حيث قام بالجمع فيما بين المفاهيم الرياضيّة والفلسفية والفنيّة مُجسِّدًا رمزيّة مُلائمة لعصر النهضة، لهذا أًصبح الرجل الفيتروفي الخاصّ بليوناردو دا فينشي أكثر الرّموز شُهرةً على الإطلاق. يحتلّ رسم الرجل الفيتروفي مكانًا في متحف Gallerie dell’Accademia ، في البندقية، في إيطاليا، حيث لا يُعرض إلّا في المُناسبات الثقافية الكبيرة والمرموقة.

 

بورتريه ذاتيّ (Self Portrait: c. 1490L1515-16)

ظلّ التفكيرُ السائد حول هذا الرسم على أنّه لليوناردو دا فينشي ذاته، رُسم هذا البورتريه (تصوير شخصيّ) بالطبشور الأحمر لرجل طاعنٍ في السِّنّ مع شعر أجعدٍ طويلٍ ولحية. مع ذلك، يرى بعضُ الباحثون أنّ الشكلَ بملامحه الخشنة، وجبينه المُجعّد، وعينيه المغمومتان يبدو مُعمِّرًا أكثر مما وصل إليه ليوناردو من العمر؛ الذي توفي عن عُمر يُناهزُ ال 67 عامًا. يقترحون أنّ الرسم قدْ يكون من بين أحد رسوماته الغريبة، التي يرسمها لأشخاصٍ ذوي سماتٍ غريبةٍ، بشكل اعتيادي في دفاتر الملاحظات الخاصّة به. أو ربّما يكون رسمًا شخصيًّا لأبيه أو عمّه، اللذين وصل عمراهما لنحو الـ 80 عامًا، أو يُمكن أنْ يكون تصوّرًا كوّنه ليوناردو عن الحال التي سيصل إليها عندما يصبح طاعنًا في السن.

أيًّا كان ما يُمثّله هذا الرسم، فإنّه يجسّد ما يتمتع به ليوناردو دا فينشي من الفخامة والحكمة.

 

لوحة عذراء الصخور (The Virgin of the Rock: c. 1483-86)

يوجدُ نسختان من لوحة عذراء الصُّخور لليوناردو دا فينشي؛ إحداها في المعرض الدّولي في لندن، والأُخرى في متحف اللّوفر في باريس، لكن واستنادًا على أدلّة أسلوبيّة، يعتبرُ العديدُ من العلماء أن هذه الأخيرة هي التي رُسِمَت أولًا. تُجسّد اللوحة أسطورةٌ مشكوكٌ في صحّتها؛ عن لقاءٍ بين العائلة المُقدّسة وبين القديس يوحنّا المعمدان أثناء هروبهم إلى مصر فرارًا من مجزرة هيرود على الأبرياء.

كان ليوناردو متورّطًا لسنوات في خصومةٍ مع أخويّة عقيدة الدين المسيحيّ (the Confraternity of the Immaculate Conception[1] )، التي كلّفته بإنجاز هذا العمل، لتنتهي هذه الخصومة برسمِ نسخةٍ أُخرى من العمل، في عام 1508 تقريبًا، لتوضع أخيرًا في لندن كما ذكرت آنفًا.

تُظهر اللوحة الأولى، الموجودة في اللّوفر، الطرائق التي وضعها ليوناردو مُبشِّرًا بعصر النّهضة الجديد؛ فغالبًا ما كانت اللوحات في تلك الفترة تصوِّر الشخصيات بتراتبية خطيّة، وبشكلِ تكون في مُنفصلة عن بعضها البعض، وجامدة في الشكل. لكنّ الأمر مُختلفُ في عذراء الصخور؛ إذْ أنّ كلًا من الشخصيات: مريم العذراء، والقديس الرضيع يوحنّا العمدان، وابنها المسيح، ورئيس الملائكة؛ تتموضَعُ في تنسيقٍ هرميّ، ليسوا في تنسيقٍ مُقنعٍ فحسب، وإنّما يتفاعلون مع بعضهم عن طريق الإيحاءات والنَّظَرَات.

تظهرُ العذراءُ في اللوحة جالسةً بتواضُعٍ، كما هي حقّا، على الأرض في مهدٍ صخريّ غامض، على عكس ما كان يصوّرها رسامو النهضة الأوائل؛ على العرش كملكةٍ في السماء. تومئ بحركات في جسدها، لتبدو كما لو تميل برأسها بعطفٍ نحو القديس الرضيع يوحنّا، الذي يبادر بصلاةٍ للمسيح في الجهة اليسرى، وهي تبدو كما لو تدفعه نحو المسيح في الجهة اليمنى، الذي بدوره يُبارك يوحنّا كأنّه -المسيح- كبيرُ الملائكة.

نُلاحظ أيضًا استبعاد ليوناردو للإيحاءات المُقدّسة التقليدية، كالهالات التي تُحيط بكل من العذراء والمسيح، وهِرَاوَة يوحنّا، لتظهر العائلة المُقدّسة في حُلَّةٍ إنسانية، وأقلُّ إلهيّةً.

رُسمت اللّوحة بالألوان الزيتية على الخشب.

 

لوحة رأس امرأة (Head of a Woman: 1500-10)

إنّها لوحة صغيرة مرسومةٌ بالطلاء الزيتيّ على الخشب، تصوّر امرأة شابّة تَميل برأسها، وفي عينيها كآبةُ جليّة. تُذكّر وضعيتها هذه بمريم العذراء في لوحة عذراء الصخور، ما يوحي بأّنها ليس سوى نموذجًا. تُلقّبُ هذه اللوحة باسم ” La scapigliata”؛ أي “الشَّعثَاء”، وتُشيرُ إلى خصلاتِ الشعرِ المُتمرّدةِ لدى الشابة. حيث شكّل ليوناردو الملامح الرقيقة للشابّة بلطفٍ، من جفونها الثقيلة النَاعِسة، إلى شفتيها المليحتين الرقيقتين.

تكشفُ هذه اللوحة عن مرونة الأدوات التي استخدمها ليوناردو في إنجاز العمل؛ باستخدام كُلٍّ من الرسم التعبيري لإنشاء الصورة، والتدرّجات الموجّهة لإغناءِ التفاصيل.

 

لوحة سيدة مع قاقم ( Lady with an Ermine: c. 1489-91)

يُعرِّف العديد من المؤرّخين السيّدة في اللوحة على أنّها سليسيا غالِراني Cecilia Gallerani، عشيقةُ لودوفيكو سفورتزا، أمّا القاقُم، وهو حيوانٌ من فصيلة بنات عُرس، فكان يُستخدمُ غالبًا كرمزٍ للدوق. تميلُ المرأةُ برأسها إلى اليمين، وتبدو نظراتها موجّهة نحو شيءٍ ما خارج اللوحة.

بالرغم من كثافة الألوان، لا سيّما الخلفية السوداء؛ إلّا أنّها تُبدي معرفة ليوناردو دا فينشي بعلم التشريح، وقدرته على تمثيل سمات الوضعية الجسمانية والتعابير ببراعة. حيث يلتقط في لوحته صِبا الفتاة، وطبيعتها اللطيفة من خلال هيئتها الرقيقة، ونظرتها اليَقِظة الهادئة، واحتضانها العطوف للقاقُم، هذا الأخير الذي يبدو مُتيقّظًا ومُتباهيًا بفخامة. وتكشف يدها النحيلة عن البُنية المُعقدّة للعظام تحت بشرتِها، كما يوحي رأس القاقُم إلى ما يُخفيه فراؤه من تفاصيلٍ لجُمجمته الصغيرة.

 

لوحة سلفاتور مندي (Salvator Mundi: c. 1500)

تصدّرت هذه اللوحة الغامضة للمسيح، كمُخلِّص للعالم، عناوين الصُّحُف في عام 2017، مُحطِّمةً الرقم القياسيّ للأسعار في المَزاد العلني، وبِيعَتْ بمبلغ 450.3 مليون دولار. على الرغم من شكِّ بعض الخبراء في أن العملَ مُلكٌ لرائدِ عصر النهضة، تُظهرُ أدلةٌ في قوائم الجَرْد في القرن السابع عشر، ضمن المجموعات المَلَكيّة، إشاراتٍ إلى أنّ لوحةً تعودُ إلى ليونارد دا فينشي تصوّر المسيح يُمسِكُ الكُرة الأرضية. وبقي مكانُ وجودِ هذه اللوحة مجهولًا في القرون اللاحقةِ، لكنّ ظهرَ عملٌ مُطابقٌ لمواصفات اللوحة في بدايات القرن الحادي والعشرين.

بيعت هذه اللوحة في مزادٍ علينيٍّ محليٍ، في الولايات المُتّحدة الأمريكيّة، لأحد جامعي القطع الفنيّة. كانَ يُعتقدُ أن اللوحة ما هي إلى نسخةٌ مُقلّدة عن الأصلية، كما كانت في حالةٍ سيئة، مع تجديدٍ كثيفٍ للألوان. لكن بعد أنْ تمّت صيانة اللوحة بشكلٍ احترافيّ، صحّح العديد من الخُبراء البارزين الاعتقاد السائد حولها، وأعلنوا عن أنّها ليست نُسخة مزوّرة، وإنّما اللوحة الأصلية التي قام ليوناردو دا فينشي ذاته بإنجازها.

على الرغم من أنّ اللوحة قد تكون غريبة ومُثيرة للجدل، يشهدُ المبلغُ الضخم، الذي دُفِع لشرائها وحطَّم كُل الأسعار الأُخرى في المَزاد العلني الذي بيعت فيه، على شُهرة ليوناردو دا فينشي الرّاسخة، وعلى احتلالهِ لموقعٍ قويٍّ في تاريخ الفنّ حتى بعد خمسة قرون تقريبًا من وفاتِه.

 

لوحة جينيفررا دي بينتشي(Ginevra de’ Benci : c. 1474/68)

تقع هذه اللوحة في المتحف الوطني للفنون في واشنطن، في الولايات المُتّحدة الأمريكية، وهي اللوحة الوحيدة لليوناردو التي تمّ عرضها علنًا في النصف الغربي من الكُرة الأرضيّة، كما أنّها أحد أعماله الأولى؛ أنجزها في مطلع العشرينات من عمره، ويُظهر فيها لمساته المُميّزة وتقنياته غير التقليدية التي اعتاد ابتكارها خلال مسيرته المهنية.

استلهامًا من مُعاصريه الشماليين، كَسّر ليوناردو كُلّ التقاليد المُتّبعة، وذلك بخروجه عن الشكل التقليدي في رسم الشخصيات، ورسمه لشخصية الشابة الوقورة بوضعية الثلاثة أرباع (three-quarter pose)، ليكون الأول في طريقة الرسم هذه. وقد استمر ليوناردو على منهجه هذا في رسم الشخصيات، في جميع لوحاته، ومن بينهم لوحة الموناليزا، ليُصبح معيارًا لفن الرسم (تصوير الشخصيات) سريعًا.

ضف على ذلك، يُعتقدُ أنّ ليوناردو كان يستخدمُ أصابعه أثناء رسمه لهذه اللوحة، قبل أنّ ينشف الطلاءُ بالكامل؛ هذا ما تدلُّ عليه بصماتُ الأصابع الموجودة على وجه اللّوحة، كما في الصورة أدناه:

 

لوحة العذراء والطفل مع القديسة آنّ ( :The Virgin and Child with Saint Anne c. 1503-19)

يعتقدُ بعض الباحثون أنّ هذه اللوحة هي الأخيرة من بين أعمال ليوناردو دا فينشي، مُستعينًا بالعديد من الأعراف التي رسّخها لديه في حياته المهنيّة، لتجسيد ثلاثة أجيال من العائلة المُقدّسة في لوحة واحدة؛ القدّيسة آنّ، وابنتها مريم العذراء، وابنها -لمريم- الرضيع يسوع المسيح.

بالنظر إلى اللوحة نرى أنّ تراتبية مواضع الشخصيات فيها هرميّة، ونجد أنّ القديسة أنّ تتصدّر قمّة هذا الهرم، مُراقبةً لمريم العذراء، التي تجلسُ في حُجْرِها، ويبدو عليها اللطف في مُحاولتها منع المسيح من اعتلاءِ الحَمَلِ. وعلى عكس الصورة التي جسّدها ليوناردو للمسيح الرضيع في لوحة “عذراء الصّخور”، يبدو المسيح هُنا أكثر براءةً وطُهرًا؛ مُظهِرًا سلوكًا صبيانيًّا مرِحًا، وثقةً بأمّه باديةً على النظراتِ التي يَرْمُق أمه بها. كما يبدو التفاعل المُتبادل بين الشخصيات حميمًا وأنيسًا، يَكشف ما لدى ليوناردو من قُدرةٍ على تمثيلِ العلاقات الإنسانية بشكل حقيقيّ ومُقنِع.

أيضًا، تُظهر اللوحة اهتمام ليوناردو الدائم في إضفاءِ إيحاءٍ صادقٍ بفضاءٍ ثلاثيّ الأبعاد على سطحٍ ثنائي البُعد، وكالعديد من أعمال ليوناردو، تظهرُ الشخصياتُ جالسةً وسطَ مشهدٍ خياليّ وغريب. وباستخدام تقنية المنظور الجويّ ** (aerial perspective)، يخلقُ ليوناردو وهمًا للعُمقِ داخل المشهد من خلال رسم البُنى الصخريّة في الخلفية بشكل باهت (تظهر باللونين الأزرق والرماديّ)، وبتفاصيل أقل من المشهد الذي المُقدمة (أي في العُمق الأقرب إلى الناظر).

هامش:

* سفومّاتو (أي الداكن)؛ تقنيّة فنيّة تتضمّنُ استخدام أسلوب التظليل الخفيف لإنتاج تدرّجاتٍ لونية سلسة وغيرُ واضحةِ التغيُّرِ، بغية إضفاءِ لمسةٍ من الوهم.

* المنظور الجويّ؛ طريقة لخلق وهم بالعمق ضمن لوحة أو رسم، من خلال تعديل درجات الألوان لمُحاكاة التغيرات التي تنتج عن تأثير الجو على ألوان الأغراض البعيدة ضمن المشهد. وعلى الرغم من أنّ هذا النظور موجود منذ القدم، إلّا أن ليوناردو دا فينشي هو السابقُ في استخدامه ضمن أعماله المُختلفة. وقد كتب عنهُ في كتابه ( http://www.gutenberg.org/ebooks/46915 Treatise on Painting): “تُصبح الألوان باهتة أكثر كُلّما ابتعد موضع الأغراض عن الناظر.”

كما استخدمه في رسم المشهد ضمن العديد من أعماله؛ ومن بينها: الموناليزا، وعذراء الصخور، والعذراء والطفل مع القديسة آنّ.

  • إعداد: نور عبدو.

المصدر:

ما تقييمك لهذا الموضوع؟

23 Points
Upvote Downvote

كتب بواسطة نور عبدو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

حرب الحكومات على حرية المرأة واستقلالها

حقيقة الأزمة المالية لسنة 2008 وأسبابها